«تحت سُرة القمر»، هي روايةٌ، ما إن تسافر في أحداثها حتى تشتبه عليك الأمور، فهل أنت حقاً أمام رواية بالشعر، أمام شعر مرويّ؟ المبدعة جهينة العوّام، قدمت لنا عبر روايتها وجعاً متدفّقاً، وفي أكثر حالاته، متفلسفاً، تماماً كبردى، لغزٌ في المنبع كما المصب، ينبع من بين تلك الحارات، ولا يلبث إلا أن يَغل فيها، بعدما يكون قد قدّم نفسه تماماً بأوجاعها ومسرّاتها، بصمتها وضجيجها، بواقعها ومرتجاها. جهينة العوّام، طوّعت الألم المواكب تدفّق الحياة، وقدّمته نصّاً ملتزماً بشروط الكتابة، فيما موضوع النص ألمٌ خرج عن القيد والحدّ وانفجر يجرف في طريقه كلّ ما زرعه التقليد والماضي من عوائق أمام بساطة الشعور وصدقه. مع رواية «تحت سرّة القمر»، تدرك بعمق مأساةً هي من القسوة إلى حدّ فتك الأعصاب والآمال والقدرات وافتراسها… تدرك كيف تُطحن ـ لا الأحلام فقط ـ بل إمكانية أن يكون ثمة إمكانية لحلم. هي محاولة ناجحة في نقل الحياة كما هي، بألوانها وتنوّعها، من حالة الحركية والصوت والألم والانكسار والتمرّد والقعود والقيامة، إلى حالة لم يكن القعودُ عبرها غير سكون سبق عصف القيامة. «تحت سرّة القمر»، رواية أبطالها أشخاص محدّدون، نبيل وسناء والحاج عبد القادر وأحمد وغرام وعلاء… كلّهم ينتمون إلى إطار زمنيّ ـ مكانيّ واحد، إلا أنهم موزّعون على عوالم، ليست مختلفة فقط، بل متصارعة متعاكسة. إنها رواية مجتمع بأسره، ظهرت عبر أشخاص الرواية، وقد تماهت في أذهان هؤلاء وأفئدتهم وأعصابهم، كلّ مفاهيم هذا المجتمع وموروثاته، في ملحمة المواجهة مع العاصفة التي ضربت جنبات الوطن وقلبه.